ما يمكن كتابته عند الاستيقاظ فجأة بعد منتصف الليل

قبل الشروع بالكتابة أودّ حقًا التنويه على أنه من غير المسموح لأمي بقراءة هذه التدوينة فإن لم تكن عزيزي القارئ أمي أو أحد إخوتي ممن يخططون للوشاية بي عند قلبها الطيّب فلا حرج من التقدم في القراءة و هذا التنويه ما هو الا تحسبًا للفضاعة التي قد اكتبها هنا بما أنني استيقظت فجأة بعد نوم متقطع لثلاث ساعات تخلله جرس الانذار لأكثر من مرة و كنت استيقظ و أشتم بأوقح ما يحلو لي في سرّي رغم أنني وحيدة في هذه الغرفة في السكن الجامعي لكنني أواجه مشكلة في النطق و الكتابة بمعظم الشتائم و أتمنى الا تُحلّ هذه المشكلة فهذا آخر ما يمسك نفسي الدنيئة عند حدودها، و لو كنّا نرى الموضوع بشكل محايد فلماذا لا أشتم؟ هل من حق أحدهم أن يوقظني من نومي بسبب رغبته في “تدخين” غرفته، فكرة الدخون هذه بذاتها تسبب لي الارتباك، من اقترح أساسًا أنه يحلّ للانسان حرق الاشياء و الاستمتاع برائحة احتراقها؟ من أحلّ للانسان أشياء كثيرة مربكة، أستمتع بفقرات التفكير الأهبل العميق في أشياء لا داعي لها، لا بل أنني أستمتع أكثر بتدوينها لأستخدمها في وقت لاحق كمسوّدة رسائلي لصديق البريد الوحيد.

أدخل نفسي أحيانًا في تجارب قبيحة جدًا و لا طائل من ورائها بل أنني منذ اللحظات الأولى أجزم أنني سأتأذى و لا زلت أصرّ على إكمالها بكل قلّة العقل التي أستطيع عليها و أذكر أن أحد اساتذتي أخبرني بهذا التعبير الرائع ” ما حدا قرر يفكر في هالشي الا احنا يالمهندسين قلّينا عقلنا و رحنا مش بس فكرنا فيه لا و حسبناه كمان” يضحكني تعبير قلّة العقل هذا، أن تملك عقلًا جبارًا يمكنه التفكير و تنفيذ أشياء عظيمة و تقرر الذهاب لأسخف شيء ممكن تصوّره و تنهك عقلك بالتفكير فيه ولو كنت تميل للهبالة أكثر فستقوم بتنفيذ ما فكرت فيه، ما أريد قوله هو أنني قبل يوم و نصف قررت بعد تناول جرّة فخارية مليئة بالبرياني أثناء الاستماع لأغنيتي الهندية المفضلة بأن هذه الوجبة ستكون كافية ليوم و نصف، و إلتزمت بكلّ ما أملك من قلّة عقل و إصرار سخيف على هذا القرار العشوائي مما كلّفني التغيّب عن امتحاني و السقوط عدة مرات في أوقات متفاوته و إبرة للغثيان في نهاية المطاف و التي عصرت كبدي و كدت من فرط اللوعة أن أشقّ بطني و أخرجه ولا يهمني ما يحدث بعدها و قد كنت قبلها بأيام أفكر بأنني لا أذكر تفضيلي للموت بدل التألم، كنت مقتنعة بأن التألمّ آهون من الموت لكنّ هذه الإبرة الحقيرة التي أتت بكلّ النتائج المتوقعة و غير المتوقعة علّمتني تفاهة التفكير و “يَدِّي في المَيّه”، و بالمناسبة فأنا أتخذ معظم قراراتي المصيرية فيما يخص كل شيء في حياتي تقريبًا و أنا بكاملي في المَيَّة لا يدي فقط.

giphy.gif

أذكر اللحظة التي وصلني فيها رفض كلية الطب و كنت جالسة على نهر في إحدى الغابات السويسرية و أُبرّد جسدي بمياه النهر رغم أنني كنت أعرف الخبر قبلها حين كنت في الفندق لكنني صمتّ عنه  إلى اللحظة التي توقفت فيها أمام النهر هذا، استجمعت قوّتي و تسللت لأمي و أبي المدليان رجليهما في الماء، ” اسمعوا لا تزعلوا، أنا ما انقبلت في الطب” لا أعلم ما الذي حدث بعدها حين حاولا تخفيف هول الموقف الا أن ما اذكره هو ردة فعلي المجنونة حين امسكت بملابسي ارغب في تمزيقها و القفز في النهر و أحمد الله أن أبي و إخوتي وقفوا في وجهي فهربت بين الأشجار أستفرغ نحيبي و يعلّق أخي ضاحكًا الآن ” لو أي حد يروح الغابة هذي الآن بيسمع صوت صرخات ودّوم يتردد للحين” و كاد يغشي عليّ من الضحك حين سمعت تعليقه، تعجبني الفكاهة التي يستقبل بها أشقّائي الحياة، بعد ما حدث في الغابة بيوم واحد فقط و في إحدى انحدارات قطار الموت الذي كنت قد ركبته شبه مجبرة قررت و أنا أصرخ من المتعة اللحظية للهواء و هو يمسّد وجهي بأذرعه الحانية ” بروح هندسة مدري شو أبا فيها بس خلاص قررت” و التزمت بقراري هذا حتى حين عدت لأجدني قُبلت في الطب، دخلته لفصل واحد “عن خاطر التجربة” و خرجت لأنفذ قراري الذي اتخذته في قطار الموت ذاك.

أحبّ الفخامة التي تسبب لي قشعرة في كل خلية من قلبي حين استمع لناي البرغوثي و هي تغنّي أشعر أنه الصوت الوحيد الذي بإمكانه التسبب بكل هذه الزلازل في صدري و رغم أنني أحببت لمرتين لم تفعل في قلبي كلمة أحبك كما فعلت بحة صوتها، لذلك حين استيقظت و اتخذت قرار مفاجئ كالعادة بأنني سأكتب شيئًا ما اخترت رفقتها و هي نغنّي لسيّد درويش ” أنا هويت و انتهيت” و هذه الاغنية بالذات تمزقني في كل مرة استمع لها و لا اكف عن ذلك بل أعاودها لساعات و افكر في كلماتها بكل ما أملك من صدق في قلبي و من فرط حبي لها أجدني استمتع بسماعها لأي شخص يجيد غنائها كغادة شبير و فرقة مسار إجباري بل و حتى صوت سيد درويش رغم رداءة تسجيلاته و حيرة أُذني و هي تحاول معرفة الكلمات و فصل كل التشويش الموسيقي في هذه النسخة.

لا أعلم يقينًا ما الذي أريد قوله من كل هذه السطور و لكن من لم يستشفّ شيئًا منها فليغفر أنها كُتبت بعد ما يقارب سنة من الإنقطاع عن التدوين و مسح مدونتي القديمة، فلتعتبرها عزيزي القارئ تمرينًا لأصابعي على لوحة المفاتيح و استعادة الشعور الرائع بوضع فاصلة بعد جملة مكتملة.

6 رأي حول “ما يمكن كتابته عند الاستيقاظ فجأة بعد منتصف الليل”

  1. استمتعت بكل حرف فيها يا وديمة.. لا قطع الله لك حسّاً.
    أهلاً بك مرة ثانية

    وأنا قرأت التدوينة مرتين، مرة بدون الاستماع لناي والثانية مع الاستماع لها
    يمكنك أن تخمني أيها كانت أمتع!

    Liked by 1 person

    1. اهلًا فادي أعزّ من يقرأ مدوّنتي، أجزم أنك الأكثر إخلاصًا في موضوع التدوينة هذه و أنا و ناي و سيد درويش كلنا فخورين فيك♥️

      Liked by 1 person

اترك رداً على Batool إلغاء الرد