ثوانٍ معدودة قبل أن ينفجر المرء بنفسه

لقد أخطأت العد في المرة السابقة لم تكن تلك هي الليلة الثالثة عشر من ليالي الأمومة بل كانت الليلة العشرين و الآن نحن في الرابعة و العشرين، بجدّية أحزنني خطئي هذا، أحزنني لأنه يشعرني أن عقلي لا يعبأ بالأيام الصعبة التي أخوضها أم أنه يفعل و يتجاهل التفكير في الأمر، هذه هي طريقته اللعينة في التعافي، يفقد الإحساس بالزمن، أذكر أنني رفضت فكرة زواج أختي و انتقالها لمنطقة بعيدة رغم أنني و يا للعجب كنت أنا من أقنعها به، تجاهلت النظر للتقويم قبل شهر كامل من الحفل، لمدة شهر كامل لم أعلم في أي يوم أنا حتى صحوت فجأة لأكتشف أن الحفل غدًا و أن الأمر حقّ و قضى الله أمرًا صار بإذنه مفعولًا.

على عكس الليالي الماضية قررت إعادة جدولي اليومي القديم و النوم مع الأطفال و الاستيقاظ قبلهم عوضًا عن النوم بعد الفجر و الاستيقاظ معهم و نحن نبكي جميعًا، كبَذل السكينة الحادة في قطعة حلوى طرية قطع صياح الصغير ذلك الحلم اللذيذ، استيقظت و لا أدري من أين أتاني ذلك الصبر العظيم حتى أنني لم أشعر بالضيق أبدًا من استيقاظه، أخبرني قلب الأم الجديد الذي أحمله في أضلعي من اربعة و عشرين ليلة أنه يبكي لذات السبب الذي أبكاه قبل أربع ليالي، توجهت لمكان نومه رفعت لحافه و ملابسه، الجلد الأحمر ذاته مرة أخرى، هذه المرة سأفعلها بهدوء، هذه المرة لن يبكي الطفل بسببي.

اخترت بسرعة أن أجعله يستمر في بكاءه المتقطع أثناء نومه ريثما أجهّز ماءً دافئًا بدل البارد الذي وضعته فيه المرة السابقة، تركت الماء يتدفق لدقائق قبل أن يصل للحرارة المناسبة، جهزت الماء الدافئ في المرضعة و أجّلت وضع الحليب ريثما انتهي من تغسيله، و المرة الوحيدة التي ركضت فيها كانت لجلب ملابسه من الطابق السفلي، عدا ذلك حلفت ان لا اركض اليوم، أيقظته وهو يبكي بتعب و ينام في منتصف بكاءه، أخذته ليغتسل و أنا أردد “لا مشكلة حبيبي ليس خطأ أحدهم لا تبكي” ينظر لي و يتوقف تدريجيًا عن البكاء، أضع مرهمًا لآلامه، ألبسه و أمسك الحليب لأضعه في المرضعة و أنا أعدّ ، واحد إثنان ثلاثة حين أصل الرقم الأخير يصفّق هو من السرير ببهجة، لم أوقف بكاءه بل جعلته يضحك أيضًا، انتصرت!

ينام الآن بجانبي بكل وداعة الأطفال تلك التي تجعلك لا تغفر لنفسك أن تفسدها أو يفسدها عليهم أحد ما، ربما يجد القارئ أن هذا أمرعاديّ أن يستيقظ وهو يبكي و تتم إعادته للنوم بكل هدوء، لكن الأمر ليس عاديًا أبدًا و أودّ من المشككين خوض التجربة ، استغرقني الأمر أربع ليالٍ لأتعافى من هلعي حين رأيت جلده يتحول للأحمر بهذه الطريقة، تدفعك يد الله بين الأقدار لتعلم أين هي حدودك الفعلية التي تستطيع احتمالها، وديمة المدللة التي تعود للمنزل في نهاية الأسبوع و تنام معظمه قبل ان تعود للسكن مرة أخرى كانت تحسب أنها ستستمر بالبكاء و الهلع في كل مرة يوقظها فيها طفل وهو يبكي، لكن وديمة فعليًا لا تبكي حتى في المرة الأولى و يسكن هلعها من المرة الثانية، في نهاية الأمر يبدو أننا نحن لسنا من نظن ، و أن صدق قول الله العظيم “لا يكلف الله نفسًا إلا وُسعها” ذلك الوسع الذي يبدو بلا نهاية أحيانًا، جرابٌ يتسع و لا يسمح الله بخرقه، أعاود دائمًا تذكّر زوربا حين قال “ثم وضع الله يده في الأمر” يضعها مباشرة قبل حدود احتمالية الإنسان، قبل أن ينخرق جِرابه بثوانٍ معدودة و لا يسمح لذلك أن يحدث و “قدرة الله فوق الشك و التهم”.

أضف تعليق